السلام وعليكم ورحمة الله وبركته
في السابق كتبت مقالاً بعنوان "من رعاة للبقر .. إلى رعاة للعالــم" تتطرقت فيه إلي كيف تشكل العقل الجماعي لسكان ما يسمى بالولايات المتحدة الأمريكية في الفترات الأولى لتكوينها. وكيف استطاع قسيس واحد أن يشكل عقول الأمريكان ويتعامل معها كصلصال.
ففي الخطب التي كان يلقيها القس جون وينتروب John Wintrop على المهاجرين الأوروبيون في عام 1630 صور لهم أن أرض الهنود الحمر هي الأرض التي سيقيمون عليها القدس الحقيقية، ودعا القادمين الجدد إليها قائلا: "علينا أن نتمعن ونتأمل مدينتا المقامة على التل، فعيون البشر جميعا تطلع إلينا."
تمكن جون وينتروب John Wintrop من أن يحول الأسطورة إلي عقيدة دينية ملفقة اقتنعت بها أجياال تواترت حتى يومنا هذا. هذه الخرافة التي اقتنع بها الأمريكيون بما فيهم رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية.. شكلت فيما بعد الدعامة الرئيسية والمستمرة في التكوين العقائدي للأمريكيين، التكوين القائم على أرضية تعظيم مكانة الأمة الأمريكية، ودور الدولة الأمريكية. فالأمة الأمريكية هي الأمة النموذج في عقيدة الأمريكيين لأنها من صنع الله، وبأن الله سبحانه وتعالى حباها دون غيرها من الأمم برسالة عالمية. أما الدولة الأمريكية فهي (دولة الله الوحيدة)، وهي أمل كل البشر جميعا!!
وهل هناك أفضل من أمة يتولى الله بناءها بذاته العليا، ويتولى بقدرته تعالي رسم دورها، ثم بعد ذلك يسند سبحانه وتعالى للأمريكيين تنفيذ مشيئته لأنهم الأفضل والأقدر. أسطورة خلقت ديانة بغير كتاب مقدس، وبغير أنبياء يمثلون وساطة بين السماء وبين الأمريكيين.
بعدها جاء الأستاذ هيكل في قناة الجزيرة وتحدث في نفس الموضوع .. وبالتأكيد استمع الناس إلي هيكل بأعداد هائلة رغم أنه أختصر كثيرا في الشرح .. وقلت لنفسي لا مانع أن يهتم الناس بالأستاذ أكثر من اهتمامهم بواحد من تلاميذه .. لكن ما اسعد التلميذ هو أنه سبق استاذه فهذا يكفيه ويزيد.
والآن يلح على خاطري سؤال ..
من هو المتسبب في انتشار مرض الجنون في العالم؟
هل وراء انتشار عدوى الجنون في العالم هم قطيع الأبقار بسبب صراعهم على "حمل برسيم"؟
أم أن المتسبب في نشر الجنون وعدواه في العالم هم إدارة الرعاة الأمريكيين، وبسبب صراعهم مع بقية البشر حول السيطرة على مصادر الثراء وبالتالي على مصادر القوة التي يجبرون ويطوعون بها الآخرين وفق مصالحهم .. فقط ؟
من وجهة نظري .. حتى لو تأكد العلماء المعنيين من أن انتشار جنون البقــر كان مصدره الأبقار نفسها .. وليست إدارة الرعاة .. حتى لو تأكد لهم هذا فإن هناك فارق هام .. هو أن ضحايا جنون البقر القاتل محدودة العدد .. ويمكن مواجهتها والتغلب عليها، لكن ما العمل في مواجهة جنون الرعاة الأمريكيين وضحايا جنونهم تعدادهم بالملايين!!
وماذا يستطيع العالم كله أن يفعل في مواجهة جنون الرعاة إذا ما اتخذ ثور هائج جاهل جبان عنصري قيادة قطيعه بتدمير العالم.. الكارثة أنه بالفعل يملك اتخاذ مثل هذا القرار ويملك أيضا القدرة على تطبيقه .. عندها سوف يصبح سؤالي بلا قيمة .. لأننا جميعا سوف نكون تحت الرماد الذري.
وما قد يحزنني يومها هو غياب أي امكانية لكتابة يافطة يسطر عليها هذا ما جناه علينا ثور أمريكي ومجموعة من الرعاة!!
حتي لو قال قائل بأن هذا مستحيل.. يظل هذا التصور تصور نسبي وتظل نسبة تحقيقه قائمة.. وحتي لو قبلنا بنسبية الاستحالة. أما آن الأوان قبل حلول الكارثة الأخيرة أن يطرح كل منا على نفسه سؤال ويتولي بنفسه بحثا عن إجابة له.
والسؤال هو: كم هو عدد ضحايا جنون البقر في العالم كله؟ وكم هوعدد ضحايا الرعاة في العالم كله؟
فعدد ضحايا جنون البقربضع مئات أو أقل ...
أما ضحايا جنون الرعاة فيعد بالملايين .. هل تجاوزت في تقدير ضحايا جنون البقر .. وضحايا رعاته؟
استكمل السؤال الأول بسؤال ثاني تفصيلي .. كم هو عدد ضحايا جنون الرعاة في الوطن العربي تحديدا مقدرا بالملايين؟ وكم هو عدد ضحايا جنون الرعاة في العالم الإسلامي تحديدا مقدرا أيضا بالملايين؟
سؤال آخر يفصل ويشرح أكثر.. هل اكتفي الرعاة المجانيين بعدد القتلي وهم بالملايين في الوطن العربي، وبعدد القتلي وهم بالملايين في العالم الإسلامي؟ هل أكتفوا .. أم أن إبادة العرب والمسلمين تحولت إلي هدف استراتيجي يتولي الرعاة المجانيين تنفيذه من خلال خلق صراعات متجددة تحمل مسميات متعددة لكنها وهذا هو المهم انها تضمن استمرارية الصراعات التي تسهلك كل طاقة يمكن أن تواجه همجية الرعاة المجانيين وتقطع الطريق أمام تحقيق هذا الحلم الشيطاني.
حتي إذا أضفنا إلي ضحايا جنون البقر جنون الطيور وجنون الأسماك وابو جلمبو فإن ضحايا جنون كل المخلوقات التي خلقها الله هي أقل بكثير من ضحايا جنون الرعاة في الإدارة الأمريكية، وجنون منظومة الرجل الأبيض.
ابحثوا .. ودققوا في الأرقام لكي تتضح الصورة أكثر مما هي عليه الآن فخطرها مدمر على المستقبل .. على مستقبل أجيال لم تخلق ولم تولد بعد!!
فالتحذير من جنون الرعاة هو حقيقة وليس نكته وليس تحذيرا أجوف .. والمبالاة هنا لم تعد تصلح تحديدا للمواقف، أو كأسلوب في مواجهة الرعاة.
آخر سؤال هو: هل يستحق الضحايا من الأبرياء والعقلاء في هذا العالم ذلك المصير؟ جوابي نعم .. إنهم يستحقون لأنهم لا يتحركون ولا يفعلون شيئا يوقفون به جنون الرعاة حفاظا على وجودهم .. فالتعقل الشكلي سواء القائم على الصمت أو السفسطة هو في حقيقة الأمر تسليما وقبولا بشروط الرعاة كاملة .. وهو أكثر خطرا وأكثر جنونا من جنون المجانيين الرعاة.
وصدقوني أول ما سنسمعه غدا بعد نتائج الإنتخابات الأمريكية هي نفس الدعوة .. دعوة التعقل الشكلي .. ممن يعتقدون في أنفسهم حكماء الأمة، وارتفاع علو صوت السفسطة والتغني بالديمقراطية الأمريكية، وسيغيب دوما صوت التحذير، وحتي وإن وجد فإن أحدا لن يهتم به حتي يفعل بنا الديمقراطيين الرعاة بما سبق وفعله بنا الجمهوريون الرعاة.
إنهم يستبدلون السلطة فيما بينهم .. لكنهم لا يستبدلون الحذاء الذي نضرب به ، وستنحر أطفلنا ونسائنا وشيوخنا وشبابنا على أيدي النازيون الجدد من الصهاينة وجنود الغزاة، وستواجه شكوانا دوما برفع "الفيتو" في وجوهنا فالمبارة بين الجمهوريون الرعاة والديمقراطيون الرعاة تنحصر في أيهما يسبق الآخر في رفع الفيتو في وجه العرب تأييدا للصهاينة!!!
والناس تنسى بسرعة .. فأخبار اليوم تنسي الناس أخبار الأمس .. ومجزرة اليوم في بيت حانون ستنسي الناس ما ارتكبه النازيون من مجازر في لبنان بالأمس .. والمجازر في العراق تحولت إلى مسلسل مفتوح وحلقاتها لا يعلم أحد متى سيظهر على شاشة تلفزيون كلمة "النهاية" .. وأنست مجازر فلسطين ولبنان والعراق ما يجري من مجازر لشعبنا العربي في الأحواز .. فالمجازر ينسي بعضها بعضا.
أصبح واقعنا اليومي من القهر والإذلال حالة إدمان يومي .. ولم يعد نداء الضحايا يحرك الكثير فينا وبالتالي لا أحد يهتم بنا .. حتي شعوب العالم من الضعفاء تعيش حالة ذعر دائم فقد وضع الرعاة المجانين العالم كله وبكل وضوح أمام إختيار واحد هو إما أن يكون العالم كله مع أمريكا وخاضعا لإرادة المجانيين، أو يزول العالم.
هل وصلتك رسالتي .. يا زول؟؟؟؟
* كاتب مصري يقيم في ألمانيا.